عندما تتعلم الحج والعمرة بشكل تلقائي!

 

من يعيش في مكة المكرمة يعرف بشكل تلقائي المعنى الذي أود الحديث عنه في هذا المقال، وذلك لان غالب السكان في مكة يعايشون مناسك الحج والعمرة خطوة بخطوة منذ نعومة اظفارهم حتى المشيب.

حيث يعتبر سكان مكة موسم الحج موسم مليء بفرص العمل، فينخرط الكثير من شباب مكة وغيرهم في جميع اعمال الحج بكافة مجالاتها، والتي تدور غالبا فيما يتعلق بمناسك "الحج والعمرة" كالطواف والسعي في الحرم المكي، أو فيما يتعلق بملحقات ذلك من بقية الاعمال في "المشاعر المقدسة" التي يُتِّم فيها الحجاج مناسكهم وهي: (عرفات، ومزدلفة، ومنى، والجمرات).

ولقد ساهم احتكاكهم المباشر بالحجاج في تعلم تطبيق الحج والعمرة بشكل تلقائي فربما عرفوه قبل ان يتعلموه في مناهج التعليم بالمدارس ولا تستغرب إذا شاهدت طفلا او مراهقا يصححان شيء من واجبات الحج لأحد الحجاج.

وهذا ما حصل معي حيث كنت مع ابي رحمه الله في مشعر عرفات قبل قرابة عشرين عاما من الان، وكان الوقت بعد صلاة العصر في "مسجد نمرة" وبينما كان ابي رحمه الله منهمكاً في الدعاء جلس بجواري حاج عربي في عقده الرابع تقريباً؛ وقال لي: بعد عرفات أين الاتجاه؟ فقلت له: الى مزدلفة! فقال لي: وماذا بعد؟! فعرفت حينها انه لا يعرف شيئا عن مناسك الحج! وكنت حينها أنا في سن الثالثة عشر.

فبدأت حينها اشرح له مناسك الحج بكل حماسة وتفصيل، واثناء شرحي له لمحت دمعة تسقط من عيونه! وقبل ان احدثه بادرني قائلا: يا بني هنيئا لك مكة فأنا اعيش في دولة اوروبية، ولم اتعلم عن الدين الاسلامي سوى القليل جداً! وودعني، ورحل لإتمام مناسكه.

هذه القصة وغيرها من القصص تحصل بشكل دائم لسكان مكة في كل موسم من مواسم الحج المباركة، حيث ينصهر سكان مكة مع الحجيج في كل مكان، ويرحلون معهم الى المشاعر المقدسة من اجل خدمتهم، وهذا ديدن يتعلمه المكي منذ الطفولة حتى المشيب، شعارهم في ذلك دائما (خدمة الحاج شرف لنا).

وربما يعيش "المكي" ذلك التعلم طوال العام من خلال زياراته المتكررة للحرم المكي حيث يرى الناس تطوف وتسعى.. وإذا جاء موسم الحج رآهم يقفون في "مشعر عرفات"، وشاهدهم يسهرون في "مشعر مزدلفة"، وتأملهم وهم يرمون الجمرات الثلاثة، وعاش معهم متعة المبيت في "مشعر منى" ايام ليالي التشريق.

وبكى معهم اثناء لحظات وداعهم لمكة المكرمة، وأرشدهم نحو المطار، وودعهم بكل الحب عند الطائرة.. لتتكون بينه وبين "موسم الحج" محبة وأشجان يعيش عليها في كل السنين والازمان.

كتبه/ حمد عبد العزيز الكنتي