عندما غيّر السُكري حياتي!

 

شعرت قبل سنوات بتنمل شديد في جسدي، ورغبة جامحة في شرب المزيد من الماء بشكل غير طبيعي، وبأن هنالك أشياء تتجول في دماغي! وتيّبس شديد في حلقي، ونحالة سريعة جداً تنهش جسدي!! فسارعت نحو الطبيب لأعرف أسباب ذلك؟ لتاتي المفاجأة أنني مصاب بالسكري!

مضت فترة بسيطة لأتجاوز الصدمة، واستوعب الواقع بكل ثقة، مسترشداً بنصيحة صديق لي مصاب به التي قال لي فيها: (السُّكَّري ثقافة وليس مرض!)

ومن ذلك الوقت تعاملت معه كثقافة تغلغلت في كل تفاصيل يومي، وارتبطت بكل خطوات حياتي من الاكل والشرب والرياضة والأدوية والاسترخاء، الى آخر التفاصيل التي كان عليّ العناية -بتوازن- بها.

تلك العناية التي ساعدتني في تحويل محنة السكري إلى منحة، وتحويله من مرض إلى ثقافة، ونقله من كارثة إلى أمل لا ينتهي، رأيت من خلاله الكثير من فرص التغيير التي شملت كل أرجاء حياتي.

ليُشكل بذلك إضافة كبرى الى كياني الخاص وكوني الصغير، حيث اكتشفت فيه كيف يمكن للمرض أن يجعلنا نكتشف ذواتنا من جديد، ونفتح صفحة جديدة مع عالمنا، نشعل فيها شموع الأمل، ونحول الألم إلى نور يشع بالحياة.

وفي الحقيقة ثقافة السكري ثقافة واسعة تساعدك على ترتيب يومك، وتنظيم وجباتك واختيار مكونتها بعناية، ويصبح كل شيء قليل أو منزوع الدسم يشكل طعامك، وبشكل عام تتغيّر رؤيتك للطعام لتصبح مثلما قال ابن القيم: (الطعام المركب يسبب أمراضاً معقدة، ويتطلب أدوية معقدة.. والطعام البسيط يسبب أمراضاً بسيطة، ويتطلب أدوية بسيطة).

وتصبح الرياضة جزء لا يتجزأ من حياتك، فتصبح أغلب الأماكن مواقع للمشي، ويتحول المشي أكثر من كونه خطوات غير محسوبة إلى فرصة للتعلم والتعليم، وفرص للتواصل الثري المتنوع المتنور، فتصل إلى النهاية دون أن تشعر لتكسب صحة الجسم والفكر والمشاعر.

لقد تعلمت من السُّكَّري الشيء الكثير والذي منه راحة البال المهمة في ازدياده أو نقصانه، فأصبحت أحاول اتقان فن التغافل، والابتعاد عن الكثير من المكدرات، ساعياً نحو الوصول الى ذهن صافٍ، وقلب يشع بالسلام، ووجدان منسجم مع ذاته.

ودعماً لكل مرضى السُّكَّري، سواء الذين باحوا به، أو الذين يخبئون قصتهم معه إلى زمن لم يأت بعد! فلقد كتبت مقالين سابقاً عنه جاءت تحت عنوان: (قصتي مع السُّكَّري) وعنوان: (صديقي مريض السُّكَّري)، وهذا المقال الثالث، وهنالك مقالات قادمة عن ثقافة السُّكَّري التي يجب أن تصل أسرارها الى الكثير وتروى تفاصيلها للعالم أجمع.

حكمة المقال

في "ثقافة السُّكَّري" توجد فرص كبرى لتغيير الحياة نحو الأفضل، ولكن لن يراها الضعيف الخائف المثالي!! هي فقط لمن يصدق مع ذاته، ويواجه تحديات الحياة بثقة خالية من الأقنعة، وحينها سيشعر بإنجازات كبرى في سيره نحو الانتصار على السُّكَّري.

كتبه/ حمد الكنتي

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله