عقوبات الكبار! #حمد_الكنتي

 

يبتلي الله عباده بالعديد من الابتلاءات سواء كانت بالنقم أو بالنعم، والتي تصقل الانسان، خصوصاً عندما تكون بالنقم فتطهره ليغدو في حالة أفضل، كما قال الفيلسوف جلال الدين بن الرومي: (كن كالثلج الذائب.. طهر نفسك من نفسك)

نشعر أحيانا أننا نركض فراراً من الابتلاءات التي تطاردنا من هنا وهناك وتتنوع في اشكالها وانواعها فاذا كنا في مرحلة الطفولة كانت بقدر تلك المرحلة كأن تقع في مشكلة ثم يعاقبك الاب بالضرب، أو يوبخك المعلم بشيء من النصح والتوجيه، وهذه واضحة بيّنة.

لكن الصعوبات تكمن في ابتلاءات الكبار الذين لم يعد يخيفهم الضرب، أو بالأصح لم يعد موجها لهم، فهنا تأتي الابتلاءات الحقيقية والعقوبات التي تتجسد في (تأنيب الضمير) الذي يمكن أن تحرق سياطه الانسان وتعصف به نحو الكثير من المعاناة والالم.

ويمكن أن تتجسد أيضا في (الأمور المبعثرة) كأن تقف في حياة الانسان عقبات يجد نفسه حائرا في فك خيوطها، وتحصل له احداث يجد معاناة في فك طلاسمها! وتقفل امامه أبواب لا يجد مفاتيحها! وتعرقله معضلات لا يهتدي الى فك شفرات أسرارها! ليجد نفسه واقفا عند باب الحيرة! تائها في صحرائها يبحث عن المخلص.

ومشكلة الشباب خصوصا الذين يفتقدون للكبير في حياتهم، بل وحتى في بعض الأحيان الكبار يحتارون أيضا بسبب غياب الموجه، وضياع البوصلة!

فيجد الشاب نفسه امام زحمة قرارات مبعثرة، ومسارات لا يعرف أيها أصوب! لتنشأ في قلبه حيرة يتشظى بنارها! ويصطلي بها في دائرة تكاد أن تكون صِفرية تحمل شعار مكانك سر!

ومن عقوبات الكبار أيضا (عدم التسخير) الذي يشتمل على أبسط الاشكال الى أكبرها، فيجد الانسان نفسه محاط بوحدانية قاتلة، إذ ينسحب في اللحظة غير المناسبة! والأبواب توصد في اللحظات غير المتوقعة! وحتى اللقاء الباسم يتحول الى عبوس مرعب يؤدي إلى نهايات صادمة!

ويمكن أيضا أن يكون (اللوم) من العقوبات خصوصا عندما يأتي بطريقة مهذبة، ويصاغ بأسلوب محترم، فيجد المخطئ نفسه امام كلمات يتمنى السياط بدلا عنها! ويستمع الى عبارات يتمنى لو انه في تلك اللحظة كان في عِداد الموتى!

وغيرها من التفاصيل التي يكون مبداها حيرة الانسان بين الصواب والخطأ، بين الحقيقة والوهم، بين الصح وما هو عليه في الواقع، ليجد نفسه قد سلك المسارات التي لا تنبغي! وقام بالأفعال الخاطئة!

لتدلهم عليه الأمور، وتتبعثر الأوراق في يديه، ويتشتت ذهنه، ويغطي الران بصيرته، فتغيب الرؤية عن قلبه والمنطق عن عقله! فيقع في محنة لا يعلمها الا الله، وفي ذلك قال القائل: (يقضى على المرء في أوقات محنته.. حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن).

والمطمئن في هذا الأمر أن كل تلك العقوبات وغيرها قد تقع على كبار السن وقد تصيب الشباب، ولو لم تكن الحيرة بين الصواب والخطأ، بين معرفة الحق والباطل عامة على الكل، لما كنا رأينا في بعض أدعية النبي صلى الله عليه وسلم ادعية مثل: (اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه) ودعاءه (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث، فلا تكلني الى نفسي أو الى أحد من خلقك طرفة عين ولا اقل من ذلك، وأصلح لي شأني كله).

وغيرها من الادعية الكثيرة التي تؤكد ان علاج هذه الحيرة ودواء تلك الأخطاء يكمن في أن ينور الله بصيرة الانسان، فيستفت قلبه، ويعرف أثر الذنب أو الخطأ في نفسه، ليسلك طريق الصواب، ويستفيد من ابتلاءات النعم والنقم في تصحيح جميع مسارات حياته، فما الابتلاءات سوى رسائل من الله تحتاج الى أذن واعية، وما العقوبات والتعقيد سوى إشارات ربانية تحتاج من الانسان وعي يلاحظ ويرصد، ثم يسلك طريق الصواب في كل ذلك.

حكمة المقال

تبرأت من حولي وقوتي واستعنت بحولك وقوتك يارب فدبر لي فإنني لا أحسن التدبير

كتبه/ حمد الكنتي

 

 صـ الوجدان ـدى: قلب حائر في نفس أكثر حيرة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله