نعمة كورونا! #حمد_الكنتي

 

كتبت سلسلة مقالات سابقة عن بعض النعم ومنها: "نعمة المرض ونعمة البكاء ونعمة التسخير ونعمة التأقلم" وغيرها من المقالات التي تطرقت فيها الى الجوانب الإيجابية في نعم الله علينا، سواء كنا نراها سرّاء أم ضراء.. وهذه المقالات موجودة على محرك البحث لمن رغب في الاطلاع عليها.

وبينما أرى تهافت العالم اليوم نحو معرفة كل جديد عن فيروس وباء كورونا تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ﷺ: "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" رواه مسلم

وكما يقال "كل نار تستبطن نورا" فليس كل مرض أو معضلة يعني الألم دائماً فالأمل مخبوء دائما وسط الظلام، وكما قال جلال الدين ابن الرومي "الجرح هو المكان الذي يدخل منه النور إليك " ولذلك فان فيروس وباء كورونا يحمل بين طياته الكثير من الفرص الجميلة للمصابين وغيرهم والتي حصرتها في هذه النقاط:

 بعد الغاء السفر أصبحت هناك فرصة كاملة للجلوس في المنزل مع العائلة وتعززت فرص توثيق التواصل العائلي ومعرفة مواهب افراد العائلة والتقاط الانفاس معهم بعد ركض العمل الطويل إضافة الى بث روح التسامح بين الجميع.

 خوف الناس منه ساهم في زيادة قربهم من ربهم، واصبحت للصلاة نكهة مختلفة، ولمراجعة النفس مساحة متاحة يستذكرون فيها الخير والشر، والخطأ والصواب.

 فرصة لأن نرى عالما مختلفا قليلاً بعد ايقاف نشاطات كرة القدم، ونكتشف قدراتنا في مجالات أخرى بعيدا عن روتين الحياة السابق.

فرغم مرور أسابيع فقط شاهدنا ما لم نشاهده في كل سنوات العمر، وهذا شيء مدهش لحياة جديدة مختلفة تجعلنا نملك رصيداً من القصص نحكيها للمستقبل.

 فرصة لأن نعرف مدى ضعفنا أمام قدرة الله، فالدول التي تفاخر بقوة جيوشها وعدتها وعتادها سقطت امام فيروس لا يُرى ولم تجد له حلاً حتى الان!

 فرصة لأن تعرف أكبر اقتصادات العالم انها يمكن ان تسقط امام ابسط الأمراض ويمكن لأشياء غير مرئية أن تقلب الكون رأساً على عقب.. وأكبر حيرة اليوم يعيشها قادة العالم تكمن في صواب اختيار القرارات المناسبة تجاه هذا الوباء فهم في أوضاع لا يحسدون عليها.

 فرصة لأن نتعلم كيف نحول المحن الى منح مثلما قام به الجيران في العمائر المتجاورة في احدى مدن ايطاليا عندما عزفوا الموسيقى وغنوا مع بعض من شرفات منازلهم في مشهد عاطفي انساني جميل سيرسخ في الذاكرة طويلاً.

 فرصة لأن يعرف الانسان مدى ضعفه، وأنه ريشة في درب الريح حينما يتعلق بفيروس قد ينتقل اليه عبر اللمس باليد فقط، وقد تكون نتيجة هذا اللمس وفاته، أو تدمير مناعته، أو شفائه وكأن شيئاً لم يكن.

 فرصة لأن يعيد الانسان النظر في أشياء كثيرة في حياته، فهذه المخاطر إذا لم تساعده في النضج فمتى سينضج؟

 فرصة ان يقام دعاء القنوت في المساجد لنتجاوز به مرحلة الغفلة نحو عالم الوعي اليقظ في مواجهة متغيرات الحياة.

 جاء وباء كورونا ليقول لنا ان العالم يمكن أن يتغيّر في لحظة فالسفر توقف، والهلع تغلغل في القلوب، والدراسة عُطلت، والاعمال أصبح الكثير منها عن بُعد، والدول اغلقت حدودها، والاسواق ازدحمت بالناس، وغيرها من التفاصيل التي نراها في تغطية متواصلة ومباشرة في جميع وسائل الاعلام الاخبارية

والتي جعلتنا نرى وجها مختلفا للعالم، وجه له ملامح قلقة، تخرج فيها الانسانية كل ما فيها من طينية آدمية يتهافت فيها البشر نحو الخلاص، ولكن هنالك الكثير في شتى انحاء العالم يحاول أن يجد في أعماق كورونا أزمة عابرة، ومشكلة ستمر سريعاً، ومحنة ستنتهي قريباً، ويتعافى منها الكون لتصبح قصة تحكى لاحقاً للأجيال القادمة.

حكمة المقال

قال تعالى "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"

كتبه: حمد الكنتي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله