في المسعى كانت لنا أيام

 

رويت في مقالي الاول على تطبيق (وي سلام) قصتي مع "الحرم المكي" وحفزني ذلك على مواصلة رواية شيء من تلك الحكايات خصوصا انني ابن الحرم وطفل مكة الذي عاش تفاصيل شعابها لسنوات طويلة جدا.

ومن الاماكن التي عشتها كثيرا مع ابناء مكة خصوصا في الحج والعمرة هي منطقة المسعى بين جبلي الصفا والمروة فكل مسلم ومسلمة يعلم ان الحج والعمرة لا يتمان الا بالسعي فيما بينهما كما قال الله في القران الكريم (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما).

فكنت كلما حججت او اعتمرت سواء مع ابي رحمه الله او بعد وفاته اذهب للمسعى بعد فراغي من الطواف بالكعبة المشرفة لابدا السعي من جبل الصفا وانتهي من اشواطه السبعة عن جبل المروة.

وبالطبع أدركت المسعى بشكله السابق وبشكله الحالي حيث ظل مبنى المسعى لعدة عقود بشكل واحد حتى جاء عهد حكم الملك عبد الله ال سعود رحمه الله ليأمر -بعد استشارة العلماء- بتوسعة كبرى للمسعى انتهى العمل منها تقريبا في عام 1430 هجرية*.. وعندما تمت هذه التوسعة ارتاح الحجاج والمعتمرين كثيرا حيث أصبح المكان يسعهم وفي بعض الاحيان يزيد عنهم مما مكنهم من السعي بكل انسيابية مطمئنة.

وكان في التوسعة السابقة جبل الصفا بلا سور احترازي مما كان يسمح لي بالصعود عليه في اوقات اخرى غير العمرة لتأمل منظر المعتمرين والحجاج وهم يسبحون ويهللون ويركضون على ارض المسعى المباركة ويا لها من لحظات جميلة.

وفي الاوقات الاخرى كانت منطقة المسعى تشكل فرصة كبيرة لنا للعمل فكثير من الحجاج والمعتمرين لا يستطيعون المشي لمسافة المسعى الطويلة مما يجعلهم يضطرون الى استخدام العربات التي كنت اعمل فيها احيانا بمقابل مالي بسيط.

وكانت من فرص العمل هناك ايضا فرصة العمل في مهنة (المقصات) فبعد ان ينتهي الحاج او المعتمر من السعي يحتاج ان يقص شيء من شعره للتحلل فكان يكسل اكثرهم عن الذهاب للحلاق مما ساهم في رواج هذه المهنة التي تقوم فقط على (مقص) صغير تعطيه للحاج فيقص شعره به أو تقصه له بمقابل مالي بسيط ايضا.

وبالنسبة لمهنة دفع العربات فقد تمت تنظيمها واسناد امرها الى رئاسة شئون الحرمين والى مشروع شباب مكة وأصبح العمل فيها وظيفة رسمية بتصريح رسمي تحت ادارة رسمية.

وفيما يتعلق بمهنة (المقصات) فقلد انتهت من المسعى لإنها عرضة لانتشار البكتيريا والجراثيم واصبحت محصورة على محلات الحلاقة المتخصصة بجوار الحرم المكي.

وفي المسعى يوجد علمان مضيئان باللون الاخضر يركض الناس بينهما في العمرة والحج وكنت الى وقت قريب استغلهما في الركض السريع جدا لكي أنقص وقت السعي الطويل وربما تنافست مع اقراني في ذلك.

اما شعور النهاية فلا تسألني عنه لإنه لا يوصف فعندما ترتقي نحو قمة المروة في شوطك النهائي لتلقي السلام الاخير على الكعبة وتتمتم ببعض الدعوات منتشياً بانتهاء نسك العمرة لتنقض على ماء زمزم وكأنك قادم من صحراء تشرب منه الكاس تلو الاخر ممتلئ بشغف النهايات الجميلة.

حكمة المقال

من المسعى في الحرم المكي تبدأ رحلة التعايش فكل المذاهب والفرق والتيارات تجتمع في مكان واحد بشعار واحد لبيك اللهم لبيك.

كتبه/ حمد عبد العزيز الكنتي

كم يبلغ طول المسعى - موسوعة


 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله