خبرات المتقاعدين الملهمة !

 

لو عدنا إلى تاريخ التقاعد لوجدنا بأنه لم يكن موجودا في تاريخنا ، حيث كان يعمل الشخص حتى يبلغ من العمر عتيا ، أو يتعب تعبا شديدا يقعده عن العمل ، وهذا السبب هو الذي جعلهم سابقا لا يعرفون كلمة التقاعد .

ولو تعامل الناس مع كلمة التقاعد بروح ايجابية ، وعرفوا أن هذا التقاعد ليس نهاية الحياة ، وإنما هو بداية لعالم أفضل يعيش فيه المتقاعد حياة جميلة تُفتح له فيها آفاق الوقت ، ليعمل أعمال لم يكن باستطاعته انجازها عندما كان على رأس العمل .

وعندما نغير هذه الصورة الذهنية لدى المتقاعدين ، فإننا سنبث في قلوبهم روح ايجابية ، تجعل نظرتهم للتقاعد تتحول من نظرة سلبية إلى نظرة متفائلة يعون فيها أن التقاعد مرحلة تجعلهم يعودون لأنفسهم بعد أن كان العمل ، ومشاغل الحياة تملا جدول حياتهم .

فالتقاعد يعني انك أصبحت أكثر نموا ، وخبرة .. وعليك أن لا تبقى في منزلك وحيدا ! وإنما عليك أن تخرج إلى الناس لتنخرط في الكثير من الأعمال التطوعية ، والتي تجعل الجميع يستفيد من خبراتك الواسعة ، وكما يقول المثل الموريتاني ( يرى العجوز المتكئ ، ما لا يراه الشاب الواقف !).

والشباب اليوم في اشد الحاجة إلى خبرات الكبار ، لان هؤلاء الكبار يقدمون لنا عصارة تجربتهم في الحياة ، وهذا ما نلاحظه في هدوئهم النبيل ، فنحن كشباب لا زال الطريق أمامنا طويل ، ولذلك فان لدينا الكثير من الحماسة ، والتسرع ، وهذا ما يجعلنا نفقد الكثير من المناصب ، والأعمال ، والأشياء بسبب طيش قراراتنا ، وقلة خبرتنا ، ولذلك فإننا نحتاج إلى الكبار ليضبطوا لنا بوصلة الحياة .

وهذا ملاحظ فأحيانا نجد الأسر التي تفتقد إلى الكبير هي اسر مبعثرة لا ثبات لها ، ولا قرار ! .. وفي المقابل نرى الأسر التي تلتف حول كبيرها هي اسر ثابتة ، ومستقرة ، لأنها تتبع حكمة كبيرها ، وتأخذ بآرائه السديدة في إدارة شؤون حياتها.

وعلى المتقاعدين أن يعلموا أن ( الكِبَر نمو وليس انحدار ) نمو في كل شيء ، فهم خاضوا جميع التجارب في الحياة ، وواجهوا الكثير من المعضلات ، وتخطوها بسلام ليصلوا بسفينتهم إلى شاطئ الأمان ، وليبدئوا في بث روح الأمان في قلوب الشابات والشبان .. فكل مرحلة لها ظروفها ، وطقوسها ، ومرحلة التقاعد من محطات العمر الجميلة .

فالتقاعد فرصة كبيرة لصلة الأرحام لان أيام العمل وضغوطاته تمنع الإنسان من فعل الكثير من الأشياء التي عليه القيام بها ، ولذلك فان في التقاعد فرصة لزيارة الأقارب ، وربط حبل الوصل الذي كادت أن تقطعه ظروف الحياة ، وكما قالوا ( تنتهي الحياة ، ولا ينتهي العمل ! ) .

وفي التقاعد فرصة كبيرة للتقرب من الأبناء والأهل في المنزل ، وفي الرحلات العائلية ، والاستفادة من خبرات العمر في توجيههم نحو الطريق الصحيح ، وتعويض كل تقصير سابق تسبب فيه كثرة الانشغال في العمل .

وفي التقاعد فرصة كبيرة للخدمة المجتمعية من خلال التعرف على الجيران ، ومشاركتهم أفراحهم ، وأحزانهم ، والتفاعل مع جميع الخدمات الاجتماعية في الحيّ انطلاقا من روح التطوع الجميلة .

وفي التقاعد فرصة للقيام بانجاز المشاريع الخاصة فبعد أن تنتهي سنوات العمل ، فهنالك فرصة لعمل مشروعك الخاص الذي خططت له طويلا في حياتك العملية ، ووضعت فيه جميع خبراتك السابقة ، لتجد متسع من الوقت لتتابع مشروعك ، وتبدع فيه بكل فعالية وانجاز .

ويمكنك أيضا في فترة التقاعد أن تكتب مذكرات حياتك ، وتُحصي فيها جميع منعطفات حياتك الجميلة ، والصعبة ، الهادئة ، والصاخبة لتقدم للأجيال كتاب يحوي خبراتك ، فيقرؤونه ليختصر لهم الكثير من الزمن .

وثق تماما أيها المتقاعد بأنك حي وأكثر حيوية من بعض الشباب متى ما آمنت أن التقاعد فرصة للانطلاقة نحو الغد الجميل .. فرصة تجمع فيها نفسك ، وتلملم شتاتك ، وتغرس البذور في طريق فراغك ، وتستمتع بهواياتك ، وتتصدق من خبراتك ، وتعطي لنا من نفيس تجاربك ، وخطواتك ، وتتكرم بتشجيع شبابك ، وشاباتك لتغرس في قلوب الجميع حبا لا ينتهي ، وتقديرا لا ينقضي .

فأنت الفنار الذي يرشد سفيتنا نحو الطريق الصحيح ، وأنت سيد الحكمة الذي عندما نجالسه نقتبس من نوره ضوء يجعل حياتنا أكثر إشراقه .. فواصل تألقك أيها الرمز الوقور ، وامضي في حياتك بكل شغف دون فتور ، فبك نفهم معنى الحياة ، ومعك نكتسب الخبرة ، ومن خلالك نختصر الكثير من المسافات .

فلا عدمناك أيها المتقاعد المنطلق نحو الحياة ، والمشع بالطاقة الوهاجة ، والممتلئ بالروح الملهمة ، والمتدفق بكل روائع الحياة البهيجة .

حكمة المقال

إذا أردت أن تنموا سريعا فجالس الكبار لتكسب الحكمة .. وتختصر على نفسك الكثير من المسافات .

حمد الكنتي

كيفية العثور على وظيفة متقاعد. نصيحة التوظيف - تجنيد - 2020

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محطات من حياة الوجيه والأكاديمي الدكتور أحمد فال الكنتي رحمه الله

محطات من حياة الفقيد محمد محمود الهاشمي رحمه الله

محطات من حياة أبي عبدالعزيز الكنتي رحمه الله