رؤى حول الفن !


اثناء مسيرتك العلمية  في الحياة ستواجه الكثير من الصراعات الفكرية وستسلك عدة طرق إيمانية وستشاهد عشرات المناقشات التي يريد اصحابها فرض فكرتهم الخاصة .. ولكن  في النهاية ستقرر انت ما ستفعله وما ستمتنع عنه كما قال النبي صلی الله عليه وسلم ( الاثم ما حاك في صدرك وكرهت ان يطلع عليه الناس  ) .
وعالم الفن هو احد العوالم التي اختلف حولها الناس فهنالك شخص متحجر لا يمتلك ذائقة ، والحس منه براء ، يكره أي فن ، وينبذ أي ابداع ، يعيش لوحده في عالمه الضيق ، الذي ربما من تشدده لن يسعه ذات يوم !
سيظل العالم يعيش التنوع والاختلاف ، وستظل ذائقة الناس  الفنية والأدبية  تختلف بين أطيافهم ، وذلك لأننا لم نخلق لنكون شخصا واحدا في مكان واحدا وبرأي واحد  !
فعلی سبيل المثال مما يختلف حوله الناس ، سواء كان هذا الاختلاف مهم لديهم ، ام مراد لهم ان يضخموه ، هو الخلاف حول الموسيقی .. وسأسرد هنا اختلافاتهم حول ذلك .
بعضهم قال ان الدف جائز لقول النبي صلی الله عليه وسلم الذي خاطب فيه الرجال والنساء قائلا ( اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ) وهذا ما تجري عليه الكثير من الاعراس والمولد النبوي .
وبعضهم توسع قائلا ان الموسيقى ليست حراما كاملة والدليل ان القران كله لا توجد فيه اية واحدة تحرم الموسيقى ومن قال ان آية ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث  ) تحرم الغناء علی قول الصحابي عبد الله ابن مسعود ، فان الكثير من علماء الامة قالوا بان تفسير الآية لا يقتضي الغناء  .
وهنالك من توسط  وقال بجواز كل انواع الموسيقى  إلا المعازف لان النبي صلی الله عليه وسلم ذكرها في الحديث الذي قال فيه ( يأتي علی الناس زمان يستحلون فيه الحر والحرير والمعازف )  .
وهنالك من يری بجواز الاغاني " الفلكلورية " والوطنية والتي في الاخبار كالشيخ " صالح  المغامسي " .. وطبعا رأي من يحل الاغاني لا يعني انه يسمعها لان تبيين الحكم لا يعني بالضرورة تطبيقه .
ونتيجة للخلاف اعلاه تسابق البعض الی اماكن الموسيقى وأجهزتها في الاحتفالات ليطفئها تقربا الی الله في ذلك .. او هكذا هو يعتقد  .
وفي المقابل هنالك من لا تحلو له الافراح إلا بالموسيقي والأصوات الشجية فالنفس البشرية جبلت علی حب الصوت الحسن وما قول النبي صلی الله عليه وسلم ( يا أنشجه رفقا بالقوارير ) إلا توضيحا لذلك وما قوله صلی الله عليه وسلم في قصة الصحابي الذي رأى رؤيا الاذان ( اذهب فالقه علی بلال فإنه اندی منك صوتا ..) إلا تأكيدا لما اسلفت قوله .
وهنالك من يذيل كل مقطع او رسالة بكلمة ( احذر هنالك موسيقی ) لكي يوضح لكل من له هاجس من الموسيقی وانكماش من الفن ان هنالك خطر محدق وأمر مخيف  .
بل ان هنالك من وصل الی امر اخطر من ذلك حيث جعل سماع الموسيقى كفرا بواحا ..!
والبعض ربط الموسيقى بالكلمات فقال ان كان كلام الاغنية فاحشا ومثيرا للغرائز فهي حرام ، وان كان كلاما نبيلا وشعرا راقيا يدعوا للفضيلة فهي حلال  .
.
وإذا جالست البعض قال لك انا في قلبي شيئا من الموسيقی ولكني اسمعها واسأل الله ان يتوب علي  .
وتفلسف بعضهم  فقال إن الموسيقى هدفها ان  تطرب الانسان ، فإذا وجد الانسان ما يطربه حتی لو قراءة كتاب ، او رؤية محبوبته فإن ذلك يكفيه عن كل موسيقی العالم  .
والفن يشكل جزأ مهما من  ثقافات الشعوب ويتوارثه الاجيال تلو الاجيال ، مشكلين بذلك بصمة لحضارتهم المتنوعة بكل الفنون الجميلة .
ومهما طال الزمن سيظل الخلاف حول الموسيقی حاضرا ،  والنقاش حولها لن ينتهي ، وبين هذا وذاك ستظل الموسيقی تطرب أقواما ، وتزعج آخرين ! ..  وسيظل الناي يحكي قصص الحزانی وروايات الحائرين ..  وكما قال احد الفلاسفة ( تبدأ الموسيقی حينما ينتهي الشعر )   .

كتبه / حمد عبد العزيز الكنتي




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله