حكايات مكية

 

اقتبس المجتمع المكي تميّزه من مكانة مكة المكرمة التي ميّزها الله بأن وضع بيته الكريم فيها، وهذا ما جعلها قبلة المسلمين في الصلاة، ومأوى افئدة الحجيج في موسم الحج، لتصبح أكبر نقطة تجمع يأتي اليها الناس من كل مكان منذ ذلك الحين حتى قيام الساعة سواء في موسم الحج أو موسم العمرة الذي يستمر غالب شهور السنة، وهذا الاحتكاك ساهم في تشكيل عقلية المجتمع المكي بطريقة منفتحة على كل الثقافات الإسلامية والعربية والاعجمية.

فابن مكة يمكنه فقط أن يتعلم في مدرسة الحج السنوية -تلك المدرسة التي يعيش فيها منذ نعومة أظفاره بين الحجيج، يخدم هذا، ويساعد ذاك، ويبيع للبعض، ويماكس البعض الآخر، وينظر للملايين وهم يمضون أفراد وجماعات نحو الحرم المكي والمشاعر المقدسة- النظام والانفتاح والتعددية والأسلوب فيبني من خلالهم شخصيته شيئا فشيئاً حتى يخرج للعالم بثقافات متعددة، تجعله شخص مختلف في عيون الكثير.

يشكل موسم الحج لأهل مكة فرصة ينتظرونها طوال العام، ففيه تؤجر فنادقهم وعمائرهم، وفيه تنشط تجارتهم ويحققون أرباحهم، وفيه يعمل أبنائهم وبناتهم، وفيه يقيمون علاقتهم ويضيفون الكثير من المعارف والتجارب لحياتهم.. والأهم من هذا كله أنهم سيتحولون كيد واحدة وقلب واحد في خدمة ضيوف الرحمن والسهر على راحتهم.

فالمكي يخدم ضيوف الرحمن في كل مكان، بداية من توصيل الحجاج من المطارات والموانئ، وصولاً الى مقرات سكنهم من فنادق وعمائر في أعمال الطوافة وغيرها، إضافة الى متابعة جميع خطواتهم حتى وصولهم الى مخيماتهم في المشاعر المقدسة.

وبين هذا وذاك نجد شباب مكة وفتياتها يخدمون ضيوف الرحمن في شتى القطاعات والمجالات سواء في الحرم المكي أو في أحياء الحجاج في مكة أو في المشاعر المقدسة وهي منى ومزدلفة وعرفات، وتشكل معايشتهم الدائمة للحجيج -والتي قد تصل الى أكثر من شهرين في بعض الاعمال- إضافة كبرى لهم في ثقافتهم ومعرفتهم وتجربتهم مع الكثير من الجنسيات المختلفة، والمذاهب المتعددة والاعراق المتنوعة، والعادات ذات الثقافات المختلفة، وهذا التنوع الكبير في موسم الحج المؤتمر الإسلامي الأكبر في مكة له تأثير كبير في بناء عقلية المكي والمكية، والدفع بهم كشخصيات لها تجربة ثرية، وتحمل ثقافة واسعة الأفق في المجتمع.


حكمة المقال


تأثير الحجاج ينعكس على سكان مكة والمدينة كونهم المدينتين المقدستين الذين يحتك سكانهم بضيوف الرحمن، ولكن تظل فترة احتكاك شباب مكة وبناتها بالحجاج فترة أطول لكونها تحتوي المشاعر المقدسة التي يقيم فيها الحجاج مناسكهم، وهذا ما يجعل فرصة التعلم والتطوير والانفتاح أكثر عند أهل مكة المكرمة.


كتبه/ حمد عبد العزيز الكنتي



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله