هروب من الذات!

 

يهتم أكثرنا بأخبار الآخرين، ويترصدوا لمستجداتهم، ويتحدثوا عن أحوالهم، ويناقشوا اخطائهم، ويفرحوا أو يحزنوا لزلاتهم!! وقد يصل بعضهم الى مستويات أعلى ويعيش في جلباب الآخر! وينسى الكثير نفسه خوفاً من مواجهة ذاته بكل ما فيها من نواقص وعيوب ومميزات ومناقب.

ويمكن أن يتحدث الناس عن حياة الآخرين ويسرفوا في الحديث، ولكن عندما نواجههم بأي سؤال عن ذواتهم يلجمهم الصمت! وتبكتهم الحيرة! ويغشاهم النوم! ويبحثون بشتى الوسائل للذهاب نحو مواضيع أخرى تبعد كل البعد عن كل ما يلامس ذواتهم، ويحفر في أسرارها.. ويجعلهم يقفون وجهاً لوجه أـمام نفوسهم التي أصبحت غريبة عنهم.

ولقد عملت إحدى مراكز البحوث تجربة خاصة بهذا الأمر وهي أن يجلس الشخص بدون أيّ مشغلات في غرفة تغطي جميع جدرانها وسقفها المرايا، ووجدوا بأن هذا التصرف جعل الكثير لا يستطيع الجلوس ولو لدقيقة واحدة في تلك الغرفة التي شكلت لهم رُعباً لا مثيل له!

فكما يخشى غالب الناس من مواجهة الجمهور، فإن هناك أيضاً كم كبير من البشر يخشون مواجهة ذواتهم! ويخافون من الأسئلة التي تمسّ أعماقها! وبالتالي يهربون الى الجلوس الدائم مع العائلة والأصدقاء، وأيضاً يهربون الى "مشاهدة التلفاز والموسيقى والألعاب والحديث عن الاخرين"

وغيرها من أنواع الهروب المختلفة التي يقوم بها كل من يفقد الثقة في نفسه، ويخاف من يقين اجاباته، ويسكن في الوهم المريح، ويخشى الحقيقة المُرّة، ويلبس الأقنعة، ولا يتصالح مع ذاته وقيمه الحقيقية لا المثالية.

ولو لم تكن مواجهة الذات مهمة -في تصحيح المسار، وتطوير الممتلكات البشرية، وصقل القدرات الذاتية- لما أمرنا الله بالتبصر في نفوسنا بقوله (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) حتى إن بعض العلماء قالوا في تفسير قوله تعالى (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ) بأن (الصَّاحِبِ بِالْجَنبِ) هو "نفس الانسان التي بين جنبيه" وعليه أن يتحسسها بين فترة وأخرى ليعرف هل هي على ما يرام، وهل هي أمارة بالسوء أم بالخير، وهل أصبحت نفس مطمئنة؟

وكان الأنقياء يحاولون دائماً التركيز على ذواتهم ومواجهتها بكل عيوبها ومزاياها، فيظلون في شُغل مستمر معها، فهم يعرفون أن الحل ليس في الهروب منها لأنه عين "الغفلة" التي نهى الله عنها.. ويعون أن المواجهة هي "الوعي" الذي يريده الله منا، وبناء على العيش في منطقة "الوعي" لا "الغفلة" سيتحقق المُراد وسيصحح المسار نحو الأفضل.


حكمة المقال


من قلبك تبدأ مسارات حياتك.. وهروبك من ذاتك لا يجعلك تصل الى حيث يجب أن تكون.


كتبه/ حمد الكنتي


 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله