مشاهد حائرة
محاولة قصصية
ويفتح الصباح شرفات
الحياة على عيون ماجد الحزين من واقعه المؤلم ، كيف لا وهو روح للتو انطلقت نحو
الحياة أو هكذا يجب أن تكون ، ماجد يعاني في أعماقه صراعات عميقة لا يعرفها من
حوله ، سوى أستاذ حمد الذي يشرف على تدريسه في المدرسة القابعة في زاوية حيهم
الهادئ ، من بعيد صوت أبيه يجلجل المكان ويكاد أن يسقط الحيطان ويرعب في لج البحار
الحيتان ، وبوجه مكفهر لا يتناسق مع هدوء الحي وسكون الصباح ، يقول لماجد قم إلى
المدرسة وهو لا يعي أن ماجد ينتظر هذه الفرصة بشغف ولا يحتاج إلى تلك المجزرة التي
تتكرر كل صباح .
يقول ماجد وبصوت خافت
ليت أستاذي هو أبي ، يصرخ الأب ماذا تقول ، يتمتم ماجد لا شيء لا شيء .
يصرخ الأب وكان بينه
وبين ماجد مسافة قصر ، هيا لديك خمس دقائق وتكون بجواري في السيارة ، يقول ماجد طيب
ابشر ، ويحدث نفسه قائلا ، ليتني امشي على قدمي بدلا من مرافقتك فأسوار المنازل
ارحم من قسوتك وزقزقة العصافير أجمل من صراخك .
يلملم ماجد نفسه
سريعا وما هي إلا لحظات حتى يكون في مركب الجحيم حيث يجمعه كرسي واحد مع أبيه
المستبد ،
تتحرك المركبة منتفضة
وكأنها تجذب طاقات القلق من أقدام سائقها المزعج ، وكان المذياع يصدح عاليا ويقول
المذيع حلقة اليوم تتحدث عن التربية بالحب ، ماجد يتلقط أنفاسه ، وأبيه مباشرة
يغلق المذياع قائلا أتعبونا بنظرياتهم الفاشلة نحن نربي أحسن منهم وبنظرة جانبية إلى
ماجد يقول الأب أنا أربيك كما رباني أبي على العادات والتقاليد والأب والمرجلة ،
يهمس ماجد لنفسه ما تفعله بنا ليس تربية ولا يشبهها ، هو استبداد وقهر وإذلال .
ها هي المدرسة حافلة
بالطلبة المنطلقين إلى يوم جديدا ، مشرقا حافلا بالعطاء ، عامرا بالنماء ، يترجل
ماجد من السيارة نحو فناء مدرسته حيث اللعب الماتع واللهو المباح والعلم الوافر .
والاهم من ذلك عند
ماجد هو موعده في وقت الفسحة مع أستاذ سعيد حيث يشكي له معاناته ، ويبوح له بهمومه
،
والوقت يجري كالريح ،
وأستاذ سعيد في مكتبه ، ماجد يطرق الباب هامسا أستاذ هل ادلف ، الأستاذ تفضل بكل
سرور ، ويقف لماجد ويسلم عليه بكل تقدير ، تفضل هنا يا ماجد ويداعبه قائلا أنت يا
ماجد لك من اسمك نصيب وستكون مجد العرب ، يضحك ماجد بخجل ، يفاتحه أستاذه قائلا
اخبرني يا ماجد كيف هي درجاتك ، يقول ماجد الحمد لله كلها أو اغلبها امتياز ، الأستاذ
يقول يا الله رائع أنت دائما مبدع استمر وسترى النور قريبا ، يقول ماجد شكرا أستاذي
ولكني يا أستاذ أعاني مع والدي المستبد ، فلم يقدر أني اشتاق إلى أمي التي غادرتنا
بعد أن طلاقها بالثلاث ، ولا يقدر المرحلة التي أمر فيها حيث إنني ألان في سن
السادسة عشر وفي قلب المراهقة واحتاج إلى من يحتويني ، ويدخل ماجد في حالة من
البكاء ، يا أستاذي أبي يمنعني من مكالمة أمي ، ولا يعي مرحلتي ، ويضيف ماجد وبكل
حزن ، يا أستاذ أنا انجح في المدرسة بجهدي وتعبي ولم أجد دعما من احد .
يربت الأستاذ على كتف
ماجد ويقول له اصبر واحتسب فهذا أبوك وله الفضل عليك ، وسيتغير مع الزمن ، يقول
ماجد بنبرة يائسة حتى متى ، ويؤكد قائلا يا أستاذي أنا لست عنيدا ولكن بسبب والدي أصبحت
كذلك ، أنت لست انطوائيا ولكن بسبب والدي أصبحت أحب الوحدة والتوحد ، حتى أضحت الوحدة في المنزل أجمل عندي من مجالسة
أبي هذا المتوحش ، ويقول الأستاذ مخففا عن ماجد ابشر يا ماجد سأستدعي أبيك غدا إلى
المدرسة لعلي أغير فيه شيء .
ماجد يأتي حاملا معه
الدعوة إلى أبيه ، والأب يقول وبنظرات الشك أكيد عملت مصيبة في المدرسة ، ماجد
يحلف قائلا والله لم اعمل شيء هذا أستاذ سعيد يريدك ،
يتمتم الأب قائلا أنا
عموما سأذهب وارى ، ويصرخ في وجهه هيا ارحل عني هيا .
وبعد أسبوعين جاء الأب
إلى المدرسة ليلتقي بالأستاذ سعيد وجاءه أستاذ سعيد باسما وسلم عليه بكل تقدير
وقال له تفضل هنا ، وجلس الأب محملها بوزر النوايا وقال ماذا فعل ماجد من جرم
وخطيئة ، فقال له الأستاذ هدئ من روعك ماجد لم يفعل شيئا فقال له إذن لماذا أنا
هنا ، فقال له الأستاذ هبني من وقتك دقائق فقال له الأب تفضل ، فقال ابنك يحتاج إلى
والدته ، وأيضا يمر بمرحلة مراهقة ، ويحتاج إلى تعامل هادئ منك ، قاطعه الأب قائلا
أنا أربيه كما رباني أبي فانا كنت اضرب وأهان ، ولذلك أنا سأضربه حتى يصبح رجلا
مثلي ألا تراني أمامك ألان لا ينقصني شيء ولله الحمد .
فقال له الأستاذ الأوقات
تختلف الم تسمع للإمام علي ابن أبي طالب حينما قال ربوا أبنائكم لزمانهم فإنهم
ولدوا لزمن غير زمانكم ) والنبي صلى الله عليه وسلم خدمه انس 10 سنين ولم يقول له
ذات يوم لم فعلت ولم لم تفعل ، يا أبا ماجد أنا لا أعلمك التربية ولكن هذه الأشياء
مهمة لكي تبني ماجد بناء سليما ، فقال له الأب أنا افعل هذه الأشياء من شدة وقسوة لأني
أحب ماجد ، فقال له الأستاذ كلنا نحب أبنائنا ولكن طرقنا في الحب تختلف ، والحب
المربوط بقسوة لا يسمى حبا ، والتربية العنيفة ليست تربية ، فقال له الأب حسنا سأنظر
في الأمر ، فقال له الأستاذ أوعدني انك تتغير مع ماجد فقال الأب أعدك بإذن الله ،
وانصرف الأب إلى عمله وعاد الأستاذ إلى فصله ، وعاد ماجد إلى أحزانه ، ينتظر غدا
آخر ربما يغير أيامه ويزين لياليه وأوقاته .
كتبها / حمد عبد
العزيز الكنتي 20-1-1435
تعليقات
إرسال تعليق