الرحيل الكبير ..


رحلت يا أبي إلى جنان الخلد بإذن الله في مثل هذا التاريخ قبل عشرة أعوام , رحلت وأنت تكتسي بالبياض , رحلت ملبيا , رحلت متوحشا بالبياض , رحلت وأنت تؤدي أوامر الرب , رحلت عن الدنيا ولم ترحل عن قلوبنا , فالموت حتما لا يغيب إلا الأجساد المنسية ، أما القلوب النابضة بالحب فتبقى ذكراها أبدية ...
لن أنسى ليلة رحيلك قبل عقد من الزمان , لن أنسى توديعك للثرى , وقد صلى عليك ضيوف الرحمن , ووريت الثرى في المقبرة الطاهرة جنة المعلاة ..
لن أنسى ضحكاتك ونحن نرافقك إلى الصلاة في المسجد الحرام , لن أنساك وأنت تسابقنا في صعود السلالم لتثبت لنا شبابك , لن أنسى حنان الأبوة في عيناك .
ولا لن أنسى عندما استيقظت في المستشفى من غيبوبتي التي استمرت ثلاث أيام لأراك بقربي , لن أنسى تلك السعادة الغامرة التي عزفتها بشائر الفرح على محياك , لن أنسى ركضك كالأطفال نحو الأطباء لتخبرهم بحياتي , لا ولن أنسى , نعم رحلت ولكن أنا لم أنسى ...!
لن أنسى مرافقتي لك أنت وصديقك عمي ( الشيخ محمد ابن بادي) ولمدة شهر أو يزيد إلى المنطقة الشرقية من السعودية , لن ذلك الشهر ما حييت , ولن أنسى كلماتك لي والتي منها ( يا حمد أنا أصبحت مسنا , وأتمنى أن تتحدث بلغة عربية راقية , أرقى مما تتحدث به الآن ) كان لتلك الكلمات وقع كبير على قلبي , وأبشرك فقد تغيرت كثيرا وأوفيت لك بالوعد , فهل تراني .........
أبي كنت أنت الربان , وكنت نعم القائد , أبي لازلت اذكر جيدا كلماتك لنا من طفولتنا ( أنا لا أؤيد الخروج من المنزل لكن العمل والدراسة اسمح بالخروج حتى ولو كان بالأيام )
وكان لتلك الإستراتيجية الأبوية بعد نظر راقي , فقد أخرجتنا للعمل في سن صغيرة جدا , فكنا نجوب شوارع مكة عاملين في خدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين , وكان لتلك الأعمال في سن مبكرة اثر كبير في بناء شخصيتنا , وكانت لبنة أساسية في بناء حياتنا بعد رحيلك (رحمك الله)
أبي كنت تسحرنا بالبسمات وكنت وسطا بين الدلال حينما تقول لي ( حمدون ) وبين الشدة حينما تتحدث بشكل جاد , وكان لتلك الشدة الحنونة اثر بالغ في بناء ذواتنا , وفي استمراريتنا نحو المجد .
أبي أنا اشكر الأحلام التي تجمعني بك دائما , فتارة أراك باسما في مكانك المعتاد في الحرم المكي , وتارة أحدثك في مجلس الشيخ احمد نور سيف الفقهي , وتارة أراك تطوف كعادتك الليلة في الحرم المكي , وتارة أجدك في منزلنا تؤازرنا وتخفف عنا , دائما أنت معي , دائما أنت في قلبي(رحمك الله)
أبي دعني أصارحك باني اشتاق لك دائما , اشتقت لك وأنا أتخرج من المتوسطة , وأنا أتخرج من الثانوية , وبكيت وأنا انتظرك على مسرح التكريم الجامعي وأنا متخرج من الجامعة , نعم انتظرتك ولم تأتي ذاتك , ويكفيني أن روحك كانت مرآة من فرح تزين مكان الحفل .
أبي أبشرك نحن بخير , نحن نمضي نحو أهدافك , أبي سنحقق أمنياتك , سنرسم على شفتيك البسمة , أبي أعدك بإذن الله بأننا سنجتمع على أرائك الجنة , ستتفاخر بنا أمام النبي صلى الله عليه وسلم بجوار حوض الكوثر .
أبي فراقك رواية كبرى من الألم , ما أصعب الرحيل , وما اشد وطأة الفراق , ما اشد لوعات الحنين , أبي اشعر بطفولة حروفي أمام وصف شموخك , أبي وضعت بصمتك في الحياة , وغادرتها ماجدا عاليا راقيا , ملبيا نداء ربك , حتى أن ضيوف العزاء قالوا لنا نحن نهنئكم ولا نعزيكم , ياااااه ما أجمل أن ترحل وأنت ملبيا .( رحمك الله يا والدي وأسكنك فسيح جناته , وإنا لله وإنا إليه راجعون ) ...
كتبه بحبر الدمع / حمد عبد العزيز الكنتي



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله