عرفات .. المؤتمر الاكبر

على صعيد عرفات الكل مكتس بالبياض , هنا لا فرق بين أعجمي وعربي , هنا الأسود والأبيض سواء , هنا أغنى الأغنياء وأتعس الفقراء , هنا الذكر والأنثى , هنا الصغير والكبير , هنا الملبس واحد لا فرق بين الجميع فالجميع يكسوهم البياض , والكل جاءوا هنا , ليبلوا نداء واحدا يتجدد كل عام , قال تعالى مخاطبا نبيه إبراهيم عليه السلام  ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) من كل البقاع أتوا , ومن كل الأماكن اقبلوا , وبكل الأسباب ارتحلوا , جوا وبرا وبحرا , والبغية واحدة , والرغبة سامية , انه حج بيت الله الحرام أمنية البشر مذ أن وجد الأنام .
إبراهيم عليه السلام نادى , فتعطرت المسامع بالنداء , وأشرقت القلوب بالعطاء , وتتوقت النفوس للسخاء ,
وكتب الله لهم الحج فكان في عرفات اللقاء .
عرفات قصة يحكيها التاريخ للأجيال , ويرويها الأجداد للأحفاد , فبعد عرفات يلقب مروان بالحاج مروان , وبعد عرفات تنادى مريم بالحاجة مريم , هي وسام , هي تاج يوضع على رؤوس الحجاج , ليعودوا إلى بلدانهم حاملين الفرح , مغتسلين من الذنوب والخطايا , يعودوا وقد وضعوا لبنة كبرى في بناء تاريخهم المجيد .
عرفات رحلة تعايش عالمية , فعلى صعيد عرفات يجتمع المسلمين بشتى مذاهبهم فتجد الحنبلي والحنفي والمالكي والشافعي , وبشتى فرقهم فتجد الصوفي والسني والشيعي والسلفي وغيرها من مسميات تتصارع طوال العام لتجتمع على صعيد عرفات ,  من قال لكم أننا لا نتعايش , ها هي عرفات تجمعنا وها هي الفرحة تعلونا , والحب يشع بيننا , والملائكة تجمعنا في مؤتمر عرفات الأكبر , الذي يشهده الله بجلالة قدره , والملائكة أجمعين , هنا الله يقول مفاخرا وحق له أن يفاخر فهو العزيز الجبار , انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا أشهدكم أني قد غفرت لهم ,
يا الله ماذا يريد الحجاج بعد هذا ,  يا رباه أي كرم تفيض به عليهم , وأي حظ هم ينالوه , وأي نعمة هذه , لحظات إيمانية لا توصف , وعبرات باكية تنهمر من عيون الحجيج , يا الهي ماذا يحصل الآن , عرفات قصة باكية بالحب زاكية بالشوق نامية , عرفات هنا الرحمات تتنزل من جلالة الرب , هنا العبرات تسكبها العيون في ابتهالات رائعة لا ولن ترى إلا في قلب عرفات .
عرفات فيها نتعايش , وبها نتعاهد أن لا نفترق , هي الحب وهي الود وهي الحياة , يومها عظيم , وقتها كريم , الله يحبها وقد اختارها لهم , واختارهم لها , جاءوا  من بعيد يزفهم الشوق الفريد , والحب العتيق , والروح المتجددة , ليجتمعوا  في عرفات منبع التجديد , ويعودوا وقد خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم , وقد تخلصوا من كل الذنوب , ويعودوا إلى أوطانهم حاملين الحب والسلام , والشوق والوئام , ويعودوا من جنة الدنيا , إلى حضن الأهل والخلان ..
كتبه : حمد عبد العزيز الكنتي



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله