نوافذ صامته !


الهموم تسابق العابرين في الطرقات , تقاسمهم وجع السنين , في الزاوية المعتمة عجوز انهكتها عوامل الزمن , وشاب يركض نحو الغد الحزين .
تتمتمات بائسة على شفتي يابسة تبدو واهنة الخروج الى هذا العالم الغريب , في حكايات المساء التي تتلوها تلك الحناجر العتيقة المتترسة بجدران منزلها القديم , وكأنها تصلي صلاة مودع !
ضوء خافت يومض للمجهول , يستظل به احد الازقة  الواهنة , والإقدام القلقة تواصل ركضها على حافة ذاك الطريق الذي فقد الرصيف , ولم يعد يتحمل حرارة الصيف فقرر الرحيل عنوة !
النوافذ الصامتة تخبئ خلفها مأساة نائمة , والدار تحكي للجار ما فعلته بها عوامل التغيير , والبيت يحفل بالشكوى , والروح ثكلى , والكل ينادي يارب .
زحمة في الخارج , وأخرى في الداخل , توحد هنا , وضجيج هناك , وما بينهما طفل يلعب قرب حاوية القمامة .
ابواق تنادي بما لا يسر , وقلق يسري في القلوب , خفقات هنا , عبرات هناك , وفي اقصى المكان , عتبة مغبرة , تبدد الوحدة عن تلك العجوز , وبقايا حلوى , تعانقها دراهم البراءة .
رجال شاهدوا العصر , تحتويهم ارائك التاريخ , وتلفاز لايضر , يروي قصص القتلى تارة , وتارة اخرى يتناسون ارواحهم , فتجذبهم كرة ماكرة , هي لا تعترف بالفائز , وهم لا يعترفون بهمومهم , وحسبهم ان الحياة تعترف بهم !
نساء خلف الاسوار , وأكواب من القهوة تدار , وحوارهم المنسي يثار , حول ماضيهم وحاضرهم , وقليل من مستقبلهم , فالحياة مدرسة , وتهافت الكون عليهم جعلهم يعون الدرس ويستمتعون بكوب قهوة في الربع الاخير من الاطوار !
وللمتعة مكان حتى وان قسى الزمان , يتلونون بالألوان الحياة , ويركضون على رفيف الاجنحة , فالسعادة في قلوبهم , حتى وان تقلب الزمان عليهم , فالبؤساء هم السعداء , والبساطة هي سر السعادة .
روائح الوجوم تعم المكان , والأحاديث الصامتة تبرق في العيون , والذكريات فنون , والحب يروي المكان , والذكرى تزف الامكنة نحو الغد المشرق , فهم برغم كل ذلك متفائلون.
حكايات نصورها لكم بعيون الانسانية , وروايات تزفها لكم الاقلام المتفائلة , وآلة التصوير تتشكل في اذهاننا , والعين مرآة الحقيقة .

حمد عبدالعزيز الكنتي
8/7/1434

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محطات من حياة الوجيه والأكاديمي الدكتور أحمد فال الكنتي رحمه الله

محطات من حياة الفقيد محمد محمود الهاشمي رحمه الله

محطات من حياة أبي عبدالعزيز الكنتي رحمه الله