رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

في أسبوع واحد فُجعت بثلاث حالات وفاة رحمهم الله جميعاً، فتلقيت خبر وفاة جدتي لأمي وخالي، والعم معيض سعدون العتيبي عليهم جميعاً رحمة الله، واسكنهم ربي الفردوس

حيث جمعهم جميعاً تجاوز (سن الثمانين) ساعين منذ القِدم في الطريق نحو الله سبحانه وتعالى بأعمالهم الخيّرة، وبصماتهم النيّرة، ليتحقق لهم الموعد الرباني، وتحين لحظة النهاية الجسدية، أما التواصل الروحي فسيبقى معهم للأبد عليهم رحمة الله كما قالوا: (الموت لا يُغيّب سوى الأجساد المنسية، أما القلوب النابضة بالحب فتبقى ذكراها أبدية)


ويطيب لي والألم يعتصر قلبي ويهز وجداني أن اكتب عن رحيل العم معيض سعدون العتيبي عليه رحمة حيث جمعتني إحدى صدف الحياة الغريبة الجميلة به، فقابلته يومياً على مدى اكثر من شهرين في قصره العامر بالرياض سجلت فيها معه ما يزيد على مائة ساعة صوتية، سرد فيها رحمه الله وبكل الحب الكثير من القصص العظيمة من حياته الكريمة المليئة بما يستحق الذكر، العامرة بما يستحق أن يُخلد في كتابه – المُنتظر- الذي يروي للجميع سيرته العطرة التي نفخر بها جميعاً


وبما أننا في موقف مليء بالحزن والألم فإنني اتقدم بخالص العزاء وعظيم المواساة الى عائلته الكريمة، بداية من رفيقة حياته الأمينة الوفية زوجته المربية الفاضلة النبيلة السيدة/ موضي الفارس ربط ربي على قلبها، وألهمها الصبر والسلوان


ويتواصل تضامني الحزين وعزائي المتألم الى جميع أبناءه وبناته وهم كلٌ باسمه وعظيم مقام وَسمِهَ (فواز، وثامر، ونواف .. ومي ، ومنى ، ومها) هؤلاء الكرام البررة الذين أدعو الله لهم من قلب المسجد النبوي ان يُنزل رحماته المُطمئنة على قلوبهم، ويجعل سُكنى السلام الداخلي تتغلغل بلُطف في افئدتهم، ويغرس مبُشرات اللُطف في اعماقهم، ويجعلهم من الصابرين المحتسبين الذين قال عنهم سبحانه وتعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)

وفي قلب ألم الفقد يُلقى علينا قميص البُشرى حينما نعرف أن الراحل معيض سعدون العتيبي فقيد للجميع بما قدم في حياته التي عمرّه الله سبحانه وتعالى فيها على الطاعة والدين

فلم ينسى اخوانه واخواته، ولم ينسى أهله في عصماء والدوادمي، ولم يتخلى عن عائلته في كل مكان، بما في ذلك الرياض التي لمَّ فيها شملهم جميعاً حوله، لتبقى صلة الرحم متواصلة، وكم أبكاني رحمه الله وهو يتحدث عنهم بُحب سامٍ، لسان حاله عليه رحمة الله (جيش الإنسان عائلته)

لقد بنى هذا الأمير غير المتوج أمجاده وامجاد عائلته، حينما بدأ رحمه الله من الصفر في قلب الرياض، ليؤسس الشركات العديدة، ويفتح للجميع فرص الوظائف الكثيرة المباركة، شعاره الدائم: (اللهم ارزقني، وارزق مني)

وظل رحمه الله يكبر شيئاً فشيئاً يغرس ما تعلم من صفاء الحياة ونقاءها في قلوب ابناءه وبناته، وحتى احفاده وحفيداته مستثمراً في الجميع خير استثمار، يُمثله قول مالك بن نبي (ابذر بذورك فسياتي المطر وينبت الزرع)

وقد حصد ما زرع في حياته رحمه الله فرأى بناته الكريمات يتألقون في الجامعات السعودية العريقة، واضعين بصماتهم الإيجابية الرائعة في تطوير التعليم السعودي، ودعم عجلة المعرفة نحو المكانة التي تستحقها مملكتنا الحبيبة

وتواصل حصاده رحمه الله حينما سلَّم أبناؤه الكرام البررة مسؤولية إدارة شركاته، خصوصاً شركة أواب القابضة التي تقف بشموخ في رياض الحالمين، فكانوا رضي الله عنهم على قدر المسؤولية وعند الرِهان، حينما أبلوا بلاءً حسناً بطاقاتهم الشبابية الوثّابة في مواصلة العمل والبناء، وتفعيل التحول الرقمي، ليواكب العمل بعمومه جودة الحياة في خدمة السكان بالطريقة الأفضل، مُحققين بذلك تطلعاته، ورافعين رأسه رحمه الله

والحديث عن المرحوم معيض سعدون العتيبي يبدأ ولا ينتهي، ويحتار الانسان يبدأ فيه من أين ويصل الى أين؟ فهو العطاء المنهمر في كل شيء، فكان رحمه الله يعطي من ماله، ومن فكره، ومن خبراته، ومن تجاربه، ومن اخلاقه، ومن قيمه، ومن مشاعره، ومن روحه النبيلة، حتى أصبح رحمة الله عليه يدٌ عُليا في كل شيء ومع كل أحد


وفي الختام سأترك قلبي يتحدث اليكم عن ما رأيت في هذا الرجل الراحل الشهم النبيل الذي كتبت عنه 44 قصة كل قصة منها تتضمن العديد من الصفحات المليئة بما ينفع الناس ويمكث في الأرض، فخيالي مليء بملامح طيف هذا الرجل المعطاء الذي رحل عن دنيانا الفانية، وأبقى في قلوبنا بصمة لا تُمحى رحمه الله برحماته الواسعة وأسكنه فسيح جناته.


وينطبق عليه رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)  رواه مسلم فهو رحمه الله ابقى أبناء صالحين وبنات صالحات لن ينسوه من دعواتهم المقبولة بإذن الله

وابقى رحمه الله الكثير من الصدقات الجارية التي ينتفع بها الناس والحيوانات والنباتات جعلها ربي في موازين حسناته.

وابقى عليه رحمة الله أماكن تعليمية يُشرف عليها ابناءه وبناته يستقي فيها الاجيال العلم النافع الذي يساعدهم على القيام بالعمل الصالح في مملكة الخير والنماء.. رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في عليين مع الانبياء والشهداء والصالحين وحسن اؤلاءك رفيقاً


وألهم ذويه الصبر والسلوان، وربط على قلوبهم وجعلها آخر الأحزان.. وهكذا هي الحياة بين شهادة الولادة وشهادة الوفاة، وما بينهما يتآكل الناس شيئاً فشيئاً بسبب آلام الرحيل المُر، الذي يُعبّر عنه قول جبران خليل جبران (ما زلت أؤمن أن الانسان لا يموت دفعة واحدة، وإنما يموت بطريقة الأجزاء، فكلما رحل صديق مات جزء، وكلما غادرنا حبيب مات جزء، وكلما قُتِل حلم من احلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل !!) وإنا لله وإنا إليه راجعون.


كتبه/ حمد عبد العزيز الكنتي 







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله