ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله

 

فقدت المدينة المنورة الراحل مجاور النبي صلى الله عليه وسلم الوجيه احمد محمد حماد اباتي المعروف بــ (سيد أحمد ول اباتي) الذي انتقل الى جوار ربه، وصلّت عليه الجموع الغفيرة فجر الجمعة في المسجد النبوي الشريف، ووري الثرى في مقبرة البقيع بجوار عشرة الاف صحابي رضوان الله عليهم ورحمه ربي برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته

وقد عمل رحمه الله في قطاع العمل السعودي العام لما يُقارب الأربعة عقود من الزمان شغل فيها عدة وظائف في (رئاسة الحرمين الشريفين، وفي وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وفي الجامعة الإسلامية) التي قضى فيها جُل حياته العملية، والتي كان آخرها عمله في مكتب خدمات الطلاب في الجامعة، حيث كان رحمه الله يسيراً مع الجميع، وسهلاً مع الكل، ويراعي الظروف بحكمة ورحمة نبيلة

وقد وفقه الله سبحانه وتعالى للسكنى في المدينة المنورة في غالب سنوات حياته، وقد كان رحمه الله من ضمن أوائل الشناقطة الذين سكنوا في المدينة المنورة رغبة في مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم، وابتغاءً لفضل سُكنى طيبة الطيبة التي تطيب فيها القلوب وترتاح النفوس بروحانيتها المطمئنة.

وقد حباه الله سبحانه وتعالى بحفظ كتابه الكريم، وجعله من اهل المسجد النبوي، حيث كان يصلي عدة فروض يومياً في الروضة الشريفة وما جاورها في نعمة يغبطه عليها اكثر من مليار مسلم

وكان حبه رحمه الله للمدينة المنورة غريباً عجيباً، حيث التقيت به قبل عدة سنوات في مكة المكرمة، وفور انتهاءه رحمه الله من اداء مناسك الحج كان الحضور الكريم يطالبونه بالراحة في مكة يوم اضافي، فكان رحمه الله مصراً على السفر الفوري، ويردد: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)، وقد حصل له ما اراد وتحققت امنيته رحمه الله حينما توفي في المدينة المنورة، ونال شرف الدفن في البقيع عليه رحمة الله.

ومنذ ما يقارب العشرون عام كنت ازوره رحمه الله في منزله، وكنت اتلقى منه النصائح القيمّة، والفوائد الجليلة، والدرر العلمية النادرة، وكان آخر لقاء جمعني به رحمه الله قبل اقل من شهر فقط حينما التقيته في اجتماع العائلة الكبيرة، وقد لاحظت انه مداوم على ذكر الله، ومشغول به عن الحديث مع الجماعة، حتى عندما اخبره بعض الحضور بأهمية مواصلة دوره كأحد وجهاء القبيلة في السعودية قال لهم: (انا تقاعدت، والدور عليكم الان)

وخدماته للجالية الشنقيطية ولقبيلته في المدينة المنورة خصوصاً وفي السعودية عموماً لا تعد ولا تحصى، وهذا ما تجلى في اليوم الأول للعزاء، حيث جاء الناس من شتى القبائل وتهاتفوا يذكرون محاسنه، ويتداولون مآثره الطيبة، شعارهم (انتم شهداء الله في الأرض) وكانت شهادتهم بيضاء نقية عنه رحمه الله.

وهذه قصة تُعبر عن شيء قليل من خدماته رحمه الله الكثيرة، والتي لم تكن تعلم فيها يمينه ما فعلت شماله، حينما حدثني ابنه البار به الأستاذ: محمد اباتي انه عندما كان صغيراً في الثمانينات الميلادية كان يطلب منه مثل بقية اقرانه ان يشتري له دراجة، فكان رحمه الله يقول له: حسناً سأفعل ذلك

ثم يذهب به الى بعض النساء كبيرات السن الذين لا عائل لهن سوى الله سبحانه وتعالى، ثم يدفع عنهم ايجار المنزل، ويلتفت الى ابنه ويقول له: (ما كنت سأدفعه لك من اجل الألعاب يمكنه أن يحمي عائلة من العيش في العراء) في قصة سامية تجسد مصداقية التربية بالقدوة الحسنة.

ومآثره رحمه الله كثيرة لا تعد ولا تحصى، فهو رجل نحسبه من أولياء الله الصالحين شبّ في طاعة الله سبحانه وتعالى، وشاب على ذات النهج سائراً على الصراط المستقيم، لا يحب مجالس الغيبة والنميمة، يرى الحسن في الناس ويتغاضى عن السوء، ويحب الخير للجميع

وقد مر رحمه الله سلاماً على هذه الحياة الدنيا التي اعطى فيها رسالته النبيلة كاملة، وابقى لنا رحمه الله جيلاً سيحملون راية القيم والمبادئ والأخلاق من بعده، ودعواتنا ان يسكنه الله الفردوس الأعلى من الجنة مع (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) عليه رحمة الله.

حمد عبد العزيز الكنتي


 ملامح من حياة المرحوم الشيخ سيد احمد اباتي


بقلم ابنه: محمد أباتي


انتقل الى جوار ربه الرجل الصالح الشيخ المجاور الوالد/ احمد اباتي 

الذي قضى عمره كاملاً في العبادة وتلاوة القرآن منصرفاً عن امور الدنيا ومشاغلها زاهدًا فيها 


وكان رحمه الله مجاورًا للمصطفى عليه الصلاة والسلام وأمله وأمنيته الموت في المدينة امتثالًا لما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها ) 


وكان رحمه الله مداوم على دعاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي عنه (اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً في سَبيلِكَ، واجْعَلْ مَوْتي في بَلَدِ رَسولِكَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)


وكان رحمه الله صواما قوامًا ولسانه لا ينقطع عن ذكر  الله سبحانه وتعالى.

وقد حقق تقوى الله سبحانه وتعالى في العبادات والمعاملات فكانت معاملاته في بيته ومع اسرته معاملة سلك فيها منهج النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان رحمه الله رقيق الجانب حليم هين لين ولم نسمع منه طوال حياتنا سبًا او شتيمة وفي قمة غضبه من احد لا يزيد على ان يصفه(انت مخلوق) 


وتطبيقا لحديث (لإن أمشي في حاجة أخي) فقد كان رحمه الله يسعى في خدمة الناس ومساعدتهم فلقد كان كريمًا يجود بكل ما يملك طريقه في ذلك قول الله تعالى(وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)


وكان رحمه الله محبًا للرسول صلى عليه وسلم قولًا وعملًا متبعًا لسنته متوكل على الله في كل اموره، واذا هم بالخروج من بيته متجهًا لاي جهة يقرأ الادعية الواردة في ذلك، ولا يشغله شيءٍ عن اتمامها بل انه لم يكن يخرج من بيته إلا وهو على وضوء سابغ  امتثالًا لقول الله تعالى :

(فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)


وفي اخر حياته كنت ابدأ محادثتي معه بقول الله تعالى : ﴿ رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ وكان رحمه الله يُسر بها كثيراً


ومن خلال ملازمتي له في اخر عمره ونحن نسير الى الصلاة متجهين للحرم النبوي او للمسجد فأبدأ بالدعاء له وعندما اطلب من الله ان يطيل في عمره فكان رحمه الله يرد عليّ قائلاً بصوت فيه تذلل وصدق ورجفة (دعني يا بُني من ذلك فإني والله قد اشتقت الى لقاء الله ، قال رسول الله ﷺ في الحديث: ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) 


وخلال مرافقتي له رحمه الله خلال مرضه بالمستشفى كنت الاحظه واراه يتوضأ ويصلي رغم عدم وعيه وادراكه.


وكنت قبل وفاته بساعات قد استودعته لله الذي لا تضيع لديه الودائع فرد عليّ رحمه الله: (قبلت ورضيت) . 


فالحمد لله واساله سبحانه وتعالى ان يكرمه حتى يرضيه ويعفو عنه ويحشره مع النبين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا.


ومن ما يهون علينا مصيبتنا في فراقه وفقدانه بأن حقق الله له امنيته بجوار الحبيب عليه افضل الصلاة والسلام حيًا، وبعد وفاته أكرمه الله سبحانه وتعالى بالدفن في بقيع الغرقد لتتحقق له رحمه الله آخر وأسمى امانيه.


فاللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ من الدنس 

اللهم ارحم السلف وبارك في الخلف واصلح ذريته وانزل عليهم سكينتك واربط على قلوبهم واشملهم يعوفك ورشدك وانزل المودة بينهم واجمع شملهم وحقق لهم مرادهم واجعلهم من الصالحين الاخيار وأعنا واعنهم على السير في طريق والدنا بالتقى والعفاف والغنى وحقق فيهم قولك ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) 


ولا انسى ان اعزي بعد نفسي فيه اهله واخواله واهل المدينة وقبيلته وجميع المسلمين عظم الله اجركم وغفر لموتانا وموتاكم 


سبحان ربك رب العزة عما يصفون . وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين.


كتبه الفقير الى الله 

محمد بن احمد اباتي 

المدينة المنورة  2023-2-26



 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي