في صالون د أدي آدب كانت لنا أيام #حمد_الكنتي

جمعتني الصدفة المحضة بالدكتور الشاعر الكبير أدي ول آدبه الكنتي وكانت من أجمل الصدف أن تكرم عليّ سعادته وأسكنني في منزله لأكثر من عام كامل، كأطول ضيف في التاريخ! أو هكذا أتوقع.

فقد شملتني رعايته على كافة الأصعدة بكرم مغدق، وفضل واسع، وعطاء متعدد الاتجاهات والمجالات.. فكان يعطيني من ماله أجمل العطايا، وكان يمنحني من خبراته أفضل الهبات والهدايا، وكان يختصر لي بفكره وعقله وقلبه وتجربته الكثير من الزمن.

وكوني كنت ضيفه في منزله العامر فقد ساعدني ذلك على الاستفادة منه من خلال جلساتنا اليومية معه في صالونه الفكري، وبوتقته الشعرية الجميلة، فقد تعرفت في ذلك الصالون الأدبي والفكري الذي عشت فيه لأكثر من عام على الدائم الدكتور أدي الكنتي سيد الفضل وأمير السخاء ووجه الكرم وعنوان البذل وصاحب اليد العليا دائماً وابداً.

ففضله يعم الجميع في كل لحظة، وكرمه معمم على الكل في كل حين، والطلبات تتواتر طوال الساعة على جواله من كل المدن والدول والأماكن، فيعطي من خلال استجابته الدائمة لها الأغنياء والفقراء، ويمنح الأقارب والغرباء، فهو كل يوم في شأن مع الجميع، فسعادته تكمن في العطاء، وإذا مرّ يوم ولم يمنح العطاء يشعر بأن يومه لم يكتمل.

وعلى نطاق عطاءه الثقافي والفكري كنت أعيش معه طوال أيام هذا العام الذي تخللته كورونا فساعدت بشكل كبير في تنمية الاستفادة من سعادته أكثر، فقد فتح لي قلبه رغم انشغاله بالعمل والتأليف، حيث ألف في هذا العام 2020 فقط خمسة كتب! لتضاف الى مؤلفاته السابقة التي دعم بها مسيرة الثقافة الموريتانية على وجه خاص، والعربية بشكل عام.

فكان من طيبته رضي الله عنه أن منحني الكثير من الوقت مجيباً على كل اسئلتي، ومتفاعلاً مع جميع محاوري، وموجهاً لبعض أفكاري، ومطوراً لشيء من توجهاتي، وهادماً لبعض أصنام قناعاتي، ومرشدا لي في شتى مجالاتي، ومشجعا لبعض خطواتي.. فهو لطف يمشي على وجه الأرض، ويتجسد لطفه في حسن تعامله، وروعة أخلاقه، وكرم أدبه، فهو اسم على مسمى في جميع خصاله نادرة الوجود.

ففي هذا الزمن المختلف في كل شيء حافظ على مبادئه في العطاء والكرم والفضل، وحافظ عليها أيضاً في أفكاره الخاصة وتوجهاته الفريدة التي يقف فيها دائماً في صف كل مظلوم في الحياة.

ليُشكّل بذلك بصمة روحه الخاصة، ويؤول فيها أسباب خطواته الفريدة، متأبطاً بذلك أوراقه التي يحوّل فيها رؤياه الى واقع مزدهر بالأمنيات والاغنيات التي نراها دائماً في شِعره بين الحاء والباء واضعا بصمة قلبه الخاصة، ومسافر بنا في عالم جميل من الخيالات التي لا توقفها حتى السماوات الفسيحة، والمجرات الواسعة، والأخيلة الممتعة التي تذهب بنا الى عوالم لم نعتاد عليها، مما يزيدنا إثارة وروعة وبهجة.

وكل يوم يمضي يعني ان هناك حوارات تكرم عليّ فيها -رغم انشغالاته- بالكثير من المعرفة، وأهداني فيها الكثير من الحقائق، ووهبني فيها المزيد من العلم والثقافة المتنوعة في الممكن وغير الممكن، في المعقول وغير المعقول! في كلما يتوقع القارئ وكلما لا يخطر بباله!

وكانت من أفكاره التي خلدتها ذاكرتي بكل الحب والسلام أن "الوعي شقاء" وأن "الحياة إيقاع" وأن "بعض الشعراء بخلاء يستمتعون بلحظاتهم الجميلة لأنفسهم، ويكتبون عن لحظاتهم البائسة للناس"!! وغيرها من الأفكار الكثيرة التي تختصر لي ولكل أحد الكثير من المسافات الطويلة في فهم الحياة.

روحه شبابية مدهشة فكان يشاركنا كل اللحظات، ويتفاعل معنا في جميع الأوقات، كيف لا وهو المدرس الذي تُقارب خبرته في التعليم أكثر من ربع قرن، وهو المعلم الذي يستطيع تقريب المعرفة للجميع من الكبار والصغار، ومن النخبة والدهماء.. فمن قلبه الطيب تنطلق كل الدروب الحيّة، ومن روحه النقية تبدأ جميع الطرق الجميلة في الحياة.

وطبقاً لأسمه فقد عشق الشعر والأدب "والايقاع في المقامات والمفاضلات في الأدب الاندلسي، وراقب عالم الشعر ورصد تحولات العصر فيه"، وغيرها من الكتب العديدة التي أخرجها بكل الحب للمكتبة العربية من المحيط الى الخليج، مؤكداً بذلك عطاءه المتنوع في شتى المجالات.. إضافة إلى دعمه للكثير من الكُتاب في تقديم كُتبهم، ومراجعة إصداراتهم مجاناً، رغم أنه لا يطلب من أحد القيام بذلك له.

وفي الختام ما هذه الحروف البسيطة سوى محاولة خجولة مني لوصف جانب بسيط من صالون الدكتور أدي الثقافي العامر الذي تعلمت فيه منه الكثير، وما وجدته في صالونه من غذاء العقل والفكر والبدن يستحق ملايين الصفحات ولا توفيه عشرات الكتب والمجلات.

ولكنني في (رحلة الامتنان) أحببت أن أصف الشيء اليسير من فضله الكبير، وأتحدث عن النزر القليل من خيره الكثير، فأفضاله وافرة عليّ وعلى غيري، وأتمنى من كل من منحهم وأهداهم وأعطاهم أن يتحدثوا عن ذلك أمام الملأ، فإحياء الشكر مهم، وذكر الفضل أهم، والاختباء بعيداً جحود! وعدم الامتنان كفر وجمود!!

ولذلك أقولها وسأقولها دائماً وبأعلى صوتي وفي كل مكان شكرا لسعادة الدكتور ادي ول ادبه الكنتي على أفضالك عليّ والتي لن أنساها ما حييّت.. جعلها الله لك بركات وفضل وخير وصحة وعافية وتوفيق ونجاح في شتى مجالات حياتك، وحقق لك أجمل الأمنيات التي تريد.

حمد عبد العزيز الكنتي




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله