طمأنينتنا المفقودة!

 

قالوا سابقاً: (الكُل في سباق للظفر باللحظة) ولكن واقع اليوم يقول: (الكثير في سباق للهروب من اللحظة) فنجدنا نركض هنا وهناك بلا وعي للحاضر الذي نحن فيه، نركض خلف ما نعرف وما لا نعرف! ونجري خلف دوامة الروتين، وننشغل بالتفكير في الغد أكثر من الحاضر الذي بالرغم أننا نخشى فقدانه إلا أننا لا نعبأ بالساعة الصامتة، ولا نستمتع باللحظة الحاضرة!

لا تعرف لنا الطمأنينة طريقاً لأن قلوبنا مستنفرة في اتجاهات شتى، ووجهنا موزّعة في غاياتنا المختلفة، وذواتنا مقسمة في أماكننا المتعددة! نأخذ شظايانا المشتتة ونرميها في النار التي تسكننا لتستعر أكثر فأكثر، وحينها نكون قد وقفنا على صفيح ساخن يشكل واقع رغم أنه يعرفنا إلا أننا لا نعرفه لأننا نمضي بسرعة عالية، ولا يعرف الهدوء لنا طريق تستهلكنا الأيام دونما أي شعور، وحينها نتنهد ونتساءل عن سر مضي السنوات السريعة.

نحن نحتاج الى الطمأنينة التي تجعلنا نهدأ، وننظر الى ما تحت أقدامنا، ونعيش جميع لحظاتنا بقوة الان التي تساعدنا على استجماع قوانا، ولملمة أوراقنا، ومحاصرة بعثرتنا، والمضي قُدماً بكل ثقة نحو الدخول في عُمق اللحظة.. فالماضي عرفناه ولكنه مضى، والمستقبل قد يأتي وقد لا يأتي لأنه مجهول، وبالتالي فإن حياتنا الحقيقية هي التي نحن فيها (الان) وهي الجديرة بكل العناية والاهتمام.

لا نستنكر التفكير في المستقبل فهو حق مشروع للجميع، ولكن الذي يُرهق الانسان هو عندما تتجزأ ذاته بين الماضي والحاضر! فيُسلب حينها الطمأنينة، وتغزوه الحيرة والضياع، فتتحوّل حياته الى قلق وأرق!! وحينها مهما ظن أنه حقق من إنجازات إلا أنه سيفقد نفسه وسط هذه الزحمة متضاربة الأمواج صاخبة الأصوات.. نعم سيعيش ولكنها حياة خالية من السلام الداخلي، ومن راحة الوجدان، ومن طمأنينة الكيان.

والأخطر من كل هذا عندما يستفيق بعد مُضي العمر ويجد الكثير قد رحلوا، ويرى بأن الحياة قد سلبت منه الكثير، ويرى الصدمة الكبرى أن كل هذا الركض الطويل واللهاث المتعب لم يؤدي به الى شيء سوى الى فقدان ذاته الحقيقية، وطمأنينته الواقعية.


حكمة المقال

قال تعالى في سورة الكهف (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (104) وقال تعالى في سورة الانعام (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (125) وقال سبحانه وتعالى في سورة الرعد (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (28) فهذه الآيات وغيرها تؤكد أن زوال "الطمأنينة" من حياتنا يحولها الى جحيم مرعب.


كتبه/ حمد عبد العزيز الكنتي




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رثاء عن الراحل معيض سعدون العتيبي رحمه الله

قصتي مع مرض السكر! #حمد_الكنتي

ملامح من حياة المرحوم الشيخ احمد اباتي رحمه الله