كأس ( أتاي )
يسافر الى كل الاماكن ويدخل الى اعماق الامكنة ، ويوجد في ابعد الزوايا شامخا بكل بما فيه من جمال ، تستقبله شفاة مشتاقة ، واذهان ملتاعة ، ونفوس تواقة ، ورؤس مصدعة ، ليكون لها الشهد الذي يشفي ويمتع ويجعل الروح تنتشي وتبحث عن الخطوة التالية ..!
غريب امر هذا الكأس
يدمنه الجميع ، ذلك الادمان المباح الذي يجعلهم لا يعترفون بجمال الجلسة الا برفقته ، والاغرب من ذلك ، ان هذا الكاس متواضع جدا ، حيث
يجالس الجميع ، فتجده برفقة افقر الفقراء ، وبمعية اغنى الاغنياء ، والملفت انه متدين إذ
يجالس العلماء فتجد الكؤوس تدور حول مسائل
الفقه واعتقد بانه لو قدر له ان يتكلم لكان مالكيا .
هذا الكأس الذي نشربه
في كل مكان ، وارواحنا تتلاقى معه فنشتم
رائحته من مسافة قصر ، وكلما ابتعدنا عنه كلما اشتقنا اليه ، فهو سر انسنا وعنوان
فرحتنا ، وكما قالوا قديما
لولا الاتاي والعيس .. لما صار بين الناس تأنيس .
شغف به الشعب
الموريتاني والشعوب المجاورة له ، فاصبح ديدنهم وعنوان ضيافتهم بل انه ركن الضيافة
الاول ، هو الشراكة الاولى والأقدم بين موريتانيا والصين ، وانا متاكد ان كل مواطن
موريتاني يقدم الشكر الدائم لشعب الصين العظيم ، ولكل وسيط يورد هذا الكنز
العظيم .
ومن حبهم له وضعوا له شروط وقواعد منها ( انه له ثلاث جيمات
الجر – الجمر – الجماعة ) فقطعا انه لا يحلوا الا بالتاخير بين كل كأس وكأس ،
والجمر نار تصلي ذلك الابريق الممتلئ بالشاي الاخضر ، والجماعة التي تتبارك بتلك
الكؤوس على ثرى تلك الرمال الذهبية .
ومن شغفهم به وضعوا
له خطوات ، وهي انه يكون ثلاث مراحل ، تسمى الاولى الكاس الاول ويكون ثقيلا بعض
الشيء ، وتتفاوت فيه الشعوب ، فالشعب الموريتاني له طريقة والشعوب المجاورة له لها
طريقة اخرى ، والكاس الثاني يكون متوسطا في المستوى ، والكاس الثالث يكون خفيفا ،
ولابد ان يعلوه الحزام الابيض الذي يسمى الرغوة البيضاء ، ليكون نصفه رغوة بيضاء ، والنصف الاخر شاي اخضرا
تم اعداده بعناية قصوى ، ليقدم كعنوان معزة ، ورسالة حب تعلن عن قصة كرم مستمرة على مر الاجيال .
ومن لا يحب ذلك الكاس
! كل من ذاقه ادمنه ، وكل من اعرف من جنسيات اخرى ادمنوه بعد ان ذاقوا حلاوته , واصبح
يجري في عروقهم وينادون له وبه طوال الوقت وفي كل حين ، انه (اتاي) ساحر القلوب
وسالب الافئدة .
وهنالك من شغف به حتى
فتح له صفحات في الانترنت وجعل ركنا من اركانها اسماه ادبيات الشاي الاخضر
الموريتاني ، وهي تتكون من اشعار وقصائد
سهر الشعراء الموريتانيون عليها اعوام طويلة كتبتها قلوبهم ، وترجمتها بالحب
اقلامهم .
يشتاق من عشق الشاي
الموريتاني له شوقا غريبا جميلا ، فتجده
يحكي عن ليالٍ انقطع فيها عنه ، وكيف ظفر به في ليلة ما ، عند شخص ما ، فتظل
تلك الليلة عالقة في ذهنه بل ويعتبرها من اجمل ليالي العمر .
والملفت فيه ان ذلك
الكاس قد يكون سببا في زواج يتوج بخروج اجيال تساهم في بناء الحياة ، فعندما تكون الانثى
مجيدة له ، يتحدث النساء عنها ، فيسمع بذلك رجل شغوف بذلك الكاس ، فيتقدم لها وتكون هي والكاس من نصيبه .
يا كأس (اتاي) انت
عشق الاجيال برشاقة وقفتك الجميلة ، وروعة طلتك البهية ، ورغوتك البيضاء التي تعبر
عن نقائك ، ورائحتك الزكية الممتلئة برقة النعناع ، تاتي لتفتن النفوس وتسلب
القلوب ، وتكون شهدا رقرقا يتغلغل في الاعماق ، لتنتشي الحياة طربا ويزداد المجلس
رونقا ، وينطق الفم بكل شيء جميل ، لان الروح ازدانت بك فكانت اجمل .
حمد عبد العزيز الكنتي
تعليقات
إرسال تعليق